التعلم بالمرح.. التعلم بالترفيه
من أهم مسؤوليات المهتم بالشأن التربوي والتدريبي محاولة فهم أفراده واستكشاف مكنوناتهم وطاقاتهم، وتلمس جوانب الضعف والقوة في شخصياتهم، والتعرف على جوانب الخلل في ذواتهم التي بحاجة إلى إصلاح، والألعاب التربوية تتيح له فرصًا كثيرة لمراقبة سلوك أفراده في مواقف تحاكي الواقع وتقترب منه، والشواهد في الحياة كثيرة تؤيد ما وصل إليه «بلاتو» من أن «ساعة لعب تعرفك بالشخص أكثر من سنة محادثة».إن استخدامي الشخصي للألعاب في دوراتي التدريبية خلال السنوات العشر الماضية، وما خلصت إليه تجربتي في أكاديمية الإبداع الأمريكية، و«مركز العلوم المرحة»، وما لاحظته في مؤتمرات تربوية، وعايشته في ورش عملية كثيرة، ولامسته من تشجيع ومؤازرة واهتمام من الإخوة المربين والمدربين أثناء تقديمي للألعاب التربوية في منتدياتهم، كرست لدي قناعة بأهمية هذه الأداة التربوية التي من الممكن أن تضفي إضافة جديدة إلى تجربتنا التربوية، وتحديثها بما يتلاءم مع متطلبات البيئة الحاضرة، وحاجة العمل التربوي إلى تحديث في وسائله وأدواته. والحكمة دائمًا ضالة المؤمن، أنّا وجدها فهو أحق الناس بها، جاءته من غرب أو شرق. لا أدعي أن ما أعرضه هنا بدعة جديدة، فالألعاب التربوية ممارسة في وسائلنا التربوية، لكنها اجتهادات فردية تفتقر إلى التأصيل، فالألعاب طريقة تربوية لها تأصيلاتها النظرية في جامعات عالمية عريقة، وتطبيقاتها العملية المشاهدة في الدورات التدريبية، والفصول التعليمية في المدارس الغربية، تستند إلى ثروة من الأبحاث والدراسات الأكاديمية، تقدم تحت مسمى «التعلم من خلال الممارسة» تارة، أو «التعليم الترفيهيEdutainment»، أو «التعليم بالمرح»، وما العمل التربوي في محصلته النهائية إلا عملية تعلم هدفها إكساب الفرد معلومة جديدة، وغرس سلوك حميد وتنقيته من آخر مشين، وتغيير اتجاهات وقناعات. فالدراسات تؤكد أن الأفراد يتعلمون بصورة أفضل عندما تكون عملية التعلم ممتعة، فالألعاب طريقة جذابة وطبيعية، فنحن مفطورون على حب المرح الذي أحد مصادره اللعب، فـ«في داخل كل منا طفل يتوق للعب» كما يقول «نيتشه».
الألعاب التربوية هي إحدى أهم وسائل نقل واستيعاب المعلومة، وغرس السلوك المطلوب، وتغيير الاتجاهات، والسبب في ذلك هو تميزها بعدة خصائص مقارنة بالوسائل الأخرى، والتي منها:- مخاطبتها لأكثر من حاسة لدى الإنسان، ففي حين تعتمد المحاضرات التقليدية على حاسة السمع لنقل المعلومة، فإن الألعاب التربوية تستخدم، بالإضافة للسمع: البصر، واللمس، وفي أحيان أخرى، الشم والتذوق، وكلما تم مخاطبة أكثر من حاسة خلال عملية التعلم، كلما كانت المعلومة، أو السلوك، أكثر ثباتًا و فهمًا لدى المشارك.- في حين أن المحاضرات التقليدية تصلح لنقل الجانب النظري من المعلومات، فإن الألعاب تصلح أيضًا لغرس السلوكيات الإيجابية، وتغيير اتجاهات الأفراد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق